00
أهم هذه العوائق:
- الأنانية المفرطة: حين يرى الإنسان نفسه أعلى من غيره، يصعب عليه أن يرى ألم الآخرين ويعترف بأنهم يستحقون الاحتواء.
- الشعور بالاستحقاق: حين تشعر أنك دائماً على حق أو أنك تستحق كل شىء، تقل قدرتك على الاعتراف بمعاناة غيرك.
- الخوف من الضعف: هناك من يخاف من إظهار التعاطف لأنه يظنه نقطة ضعف، خصوصاً إذا كان الطرف الآخر قد أخطأ بحقه.
- نقص الوعى الذاتي: إذا لم تعرف ما الذي تشعر به أنت، فكيف ستفهم مشاعر الآخرين؟
- البرمجة الاجتماعية: حين تُربى على ثقافة ترى أن المشاعر ضعف، تتعود على انتقادها والابتعاد عنها من غير أن تعرف السبب.
- الإرهاق العاطفي: حين تُستنزف وتُضغط بشكل مزمن تموت استجابتك، ليس لأنك قاس، بل لأنك متعب.
- التجارب السابقة: قد يمر بك موقف يجعلك تندم لأنك تعاطفت، فتصبح أكثر تحفظاً وتخاف من التكرار.
لكن، كيف نتجاوز هذه العوائق؟ لا يوجد علاج سحري، بل خطوات تفتح باب التغيير الحقيقي:
- إذا كادت الأنانية عالية: مارس التواضع المقصود، لا اللفظي. استمع لشخص أصغر منك، دع غيرك يعلمك، واكسر الصورة التى تُظهرك دائماً أنك الأكثر فهما
- إذا شعرت بالاستحقاق: تذكّر أن كل إنسان يحمل هما مخفياً لا يبوح به، وأدرك أنك لست أفضل من غيرك، بل عشت ظروفاً مختلفة فقط
- إذا خفت من التعاطف لأنه يُظهر الضعف: تذكّر أن أقوى الناس هم من يستطيعون الوقوف مع مشاعر غيرهم، لا من يهربون منها. القوة ليست بالحزم وحده، بل أحياناً بالحنان المتوازن
- إذا لم تعرف مشاعرك: جرّب أن تكتب أفكارك وانفعالاتك، سواء غضباً أو فرحاً، وسجّل كيف شعرت وكيف تصرَّفت، وراجعها مع الوقت. بذلك ستبني وعيك الذاتي تدريجيا
- إذا تربيت على السخرية من المشاعر: اكسر هذه القاعدة بصوتك، دافع عن شخص يتعرض للتنمر، وكن إلى جانب إنسان يُكسر بسخرية، وأظهر له أن الاختلاف ليس عيباً
- إذا كنت مرهقاً: اهتم بنفسك. النفس المتعبة لا تملك طاقة للتفهم. خذ وقتك، نظم طاقاتك، وتحرر من أثقال لا تخصك
- وإذا انخذلت من تعاطفك: تعلم أن تضع حدوداً صحية. التعاطف لا يعنى أن تُضحي بنفسك، بل أن تساعد من غير أن تتكسر
الحقيقة أن بعض الناس يتعلمون الذكاء العاطفي لكن تصرفاتهم تبقى باردة، لأنهم يحفظون الجمل من غير أن يشعروا بها. يتعلمون الإصغاء لكن قلوبهم مغلقة. يتكلمون عن التعاطف لكنهم لا يؤمنون به من الداخل. وهنا يبدو كل شيء زائفاً حتى لو بدا في الظاهر مثالياً.
التعاطف الحقيقي ليس شيئاً نتظاهر به، بل شيئاً ننميه. خطوة بخطوه في الداخل أولاً، ثم يصبح جزءاً من تعاملنا.
التعاطف أن تفهم مشاعر غيرك حتى لو لم تمر بها، أن تشعر بها حتى لو لم تعشها، وأن تتصرف بما يحمي الإنسان أمامك لا بما يجرحه.
01
التعاطف الحقيقي ليس فقط مع الأحباب، ولا مع الضعفاء، بل مع كل شخص، حتى من أخطأ بحقك، وحتى المختلف عنك، وحتى مع نفسك.
فمن يقسو على نفسه يتعلم أن يقسو على غيره، ومن يتصالح مع ضعفه يستطيع أن يحتوي ضعف الآخرين، ومن يتدرب على سعة الصدر يصبح ملجأ لا عبئاً.
التعاطف ليس مثالية زائدة، بل وعي متوازن، يعرف كيف يرحم من غير أن يفقد توازنه، وكيف يسمع من غير أن يضيع صوته، وكيف يحمي نفسه وهو يحمي غيره.
02
كيف نبني التعاطف الحقيقي؟
- راجع تصرفاتك اليومية: ليس كم تعاطفت، بل كيف جعلت غيرك يشعر
- تعلّم أن تُصغي من غير أن تستعجل بالحل: اجعل نيتك أن تحتضن الشعور لا أن تصلح الموقف
- اختبر استجاباتك للناس المختلفين عنك: هل تحكم عليهم؟ هل تستهين بمعاناتهم؟ هنا تتضح حدود تعاطفك
- اسأل نفسك بعد كل نقاش: هل كنت مستمعاً؟ هل منحت أمانا؟ أم كنت تبحث فقط عن إثبات وجهة نظرك
- وأهم نقطة: اجعل نيتك أن تفهم لا أن تتفوق. من ينوي أن يسمع يتغير، ومن ينوي أن ينتصر يتكرر
ليس كل الناس يستطيعون بناء تعاطف حقيقي، لكن كل من يتواضع ويتعلم ويكسر حواجز الأنا، ستتاح له فرصة أن يتطور لا ليكتسب مهارة فقط، بل ليبني إنساناً.
التعاطف ليس عبارة تقولها، بل حضور داخلي. ليس كل من تعلم الذكاء العاطفي صار متعاطفاً. والتعاطف الحقيقي لا يحتاج أن يقول "أنا أفهمك"، بل أن يشعر بك فعلاً، من سكونه، من طريقته.
03
الخاتمة - من التعاطف إلى الرحمة
وأنا أكتب هذا المقال، أدركت أن فهمي للتعاطف ما زال يتطور. كنت أميز دائماً بين التعاطف والشفقة، وكنت أرى الرحمة مجرد قيمة إضافية، لكني اكتشفت أنها المستوى الأبعد من التعاطف.
فالرحمة لا تكتفي بأن تشعر مع إنسان، بل تدفعك لمد يد المساعدة، حتى لو كان بعيداً عنك، حتى لو لم تعرفه إلا من قصة سمعتها. الرحمة هي أن تتحول المشاعر إلى فعل، وأن يصبح وعيك قوة لحماية كرامة الآخرين، حتى أولئك الذين قد لا تلتقيهم أبداً.
هنا يكمن الأثر الحقيقي: أن ننشر الوعي، ونمدّ العون لمن حولنا، ونصون كرامة أناس قد لا يعرفون أسماءنا.
هذه هي الرحلة الأعمق: أن نبدأ بالتعاطف ونصل إلى الرحمة. رحلة تستحق أن نخوضها معاً.
فالمعرفة دور، وكلما اتسعت رحلتنا بين التعاطف والرحمة، ازددنا إنسانية، وأصبحنا أقدر على أن نترك أثرأً يضيء للآخرين.

